هل جلست يومًا مع نفسك وسط العتمة، بعيدًا عن كل الضجيج وسألت سؤالًا بسيطًا لكنه ثقيل كالجبال:من أنا ؟ تنظر في مرآتك، ترى ملامحك، لكن لا ترى نفسك. تبحث عن إجابة بين أحلامك القديمة وأوجاعك التي لا تنتهي فلا تجد سوى صمت مرعب.
لماذا أنا هنا؟ هل هذه هي الحياة التي أردتها فعلًا؟ أم أنني مجرد ظِلّ لشخص كان يجب أن أكونه؟ في زحمة هذه الأيام، تهرب من سؤال آخر لا يقل قسوة: “هل أنا راضٍ عن نفسي؟” تبتسم أمام الناس، تضحك، تنشر الحكايات، تهرب دايما من نفسك لكن داخلك يتآكل بهدوء وتحاول أن تخدع العالم وأحيانًا تخدع نفسك لا بل دايما اخدع نفسي.
لماذا الحزن يرافقني كظل لا يفارقني؟ لماذا أشعر أن شيئًا ناقصًا بداخلي شيء لا أعرف كيف أعيده؟ ربما لأننا جميعًا نخوض نفس الرحلة. رحلة البحث عن ذواتنا الحقيقية، عن ذلك الصوت الخافت الذي صمتناه طويلًا، عن الحقيقة التي نخشى مواجهتها.
هنا، في هذه السطور، سأمشي معك يا صديقي الوحيد في طريق طويلٍ مظلم، حيث لا نملك إلا أنفسنا، وحيث تبدأ أخطر المعارك: هل أنت مستعد لهذه الحرب، أم ستكمل الروتين اليومي؟ الدائرة المغلقة التي لا، ولن تنتهي هل تريد الاستيقاظ من الوهم والعالم الافتراضي؟ أم تريد التحرر من هذا العالم الزائف؟
من أنا؟ سؤال بسيط وإجابة مستحيلة
منذ الطفولة، وأنا أسمعهم يرددون اسمي، ينادون عليّ، يلقون عليّ الصفات مثل تعال يا بارد أو يا غبي أو يا فاشل لكن، هل أنا مجرد اسم؟ هل أنا مجرد صفات أو أنا دور صغير كُتب لي في مسرحية لا أفهم نصها؟ من أنا حين لا يناديني أحد؟
من أنا حين أنفرد بنفسي، بعيدًا عن كل الأقنعة التي أرتديها كل صباح؟ أشعر أحيانًا أنني لست الشخص الذي يتحدث ويضحك ويمشي بين الناس أشعر أن هناك شخصًا آخر، محبوسًا داخلي، ينتظر الفرصة ليُولد من جديد.
ربما أنت مثلي، تبحث عن نفسك بين الكلمات، بين الذكريات، بين الوجع والسكون. اسأل نفسك الآن، بصوت منخفض كأنك تهمس لروحك: “من أنا حقًا؟” ولا تخف من الصمت الذي سيتبع السؤال. الصمت أحيانًا هو أول خطوة لفهم الحقيقة. عليك فقط أن تسأل يا صديقي. أعلم أن الأمر ليس سهلًا ولا صعبًا، ولكن لكي تتحرر من العالم الزائف، عليك أن تطرح الأسئلة: لماذا أشعر بهذا الحزن؟ لماذا أنا هنا؟ ماهو هدفي في الحياة؟ هل أنا المسيطر أم هناك شيء آخر هو الذي يسيطر عليَّ؟ هل أهدافي هي التي أريدها حقًا، أم هي أهداف غرزت في عقلي؟ من هنا تبدا الرحلة يا صديقي.
تنويه هام عليك قراءة هذا المقال : الادمان من قلب مدمن سابق إليك الحقيقة التي لا يخبرك بها أحد
هل أنا راضٍ عن نفسي؟
سؤال مؤلم لا يملك غير الشجعان فقط جرأة طرحه. كل ليلة، حين تضع رأسك على الوسادة هل تبتسم لأنك فخور بما أنت عليه؟ أم تنظر إلى السقف في ظلام الغرفة، وتتنهد بندم ثقيل؟ الرضا عن النفس لا يأتي فجأة، ولا يُشترى، ولا يُمنح لك من أحد.
الرضا هو نتيجة معركة طويلة تخوضها مع أخطائك، مع خوفك، مع كل النسخ المزيفة منك. كن صريحًا مع نفسك، حتى لو كرهت الإجابة.فقط حين تعترف بكل شيء يمكنك أن تبدأ من جديد.
ماهو هدفي في الحياة؟
في عالم مجنون يصرخ بالأهداف، بالنجاح، بالوصول السريع هل جلست مرة وسألت نفسك: “ما الذي أريده أنا، وليس ما يريده الآخرون مني؟” هدفك الحقيقي ليس شيئًا تشتريه أو تحصل عليه إنه شيء ينبض داخلك، شيء يشعل قلبك حين تقترب منه. لكننا غالبًا نضيع. نتبع أهدافًا ليست لنا نركض خلف أحلام الآخرين، وننسى أن نسأل: هل هذا حقًا ما أريده؟ أم أنني فقط أخشى أن أكون مختلفًا؟ ربما هدفك الحقيقي أبسط مما تتخيل. ربما هو أن تكون صادقًا مع نفسك، أن تلمس روحك بيدك، أن تعيش كما خُلقت، لا كما أرادوك أن تكون.
لماذا أنا حزين؟

أحيانًا نشعر بالحزن دون سبب واضح. كأن القلب ينوح على شيء لا يعرفه العقل بعد.ربما هو شوق إلى ذاتنا الحقيقية.
ربما هو غضب مكبوت من الحياة التي لم نخترها. وربما هو الحنين إلى البراءة التي فقدناها، إلى الأحلام التي قتلها الخوف ببطء. لا تهرب من حزنك.استمع له. لأنه أحيانًا، هو الصوت الوحيد الذي يدلنا على الطريق الصحيح.
هل تعرف لماذا أنت حزين هكذا؟ لأنك لا تعرف لماذا تعيش. لا تعرف هدفك في الحياة، وهذا ما يسبب لك الفراغ العقلي، الذي يجعل العقل يبحث في الحاضر والماضي عن المشاكل والذكريات المؤلمة، حتى تتعب وتفكر في الهروب من هذه المشاكل. وفي هذه الحالة، تلجأ إلى المخدر.
نحن جميعًا، يا صديقي، لدينا “مخدّر” نهرب به من المشاكل والألم، عن طريق شرب السجائر، أو تعاطي المخدرات، أو ممارسة الجنس مع العاهرات، أو ممارسة العادة السرية ومشاهدة الإباحية، أو لعب الألعاب لفترات طويلة، أو النوم، أو الأكل.
كل هذه الإدمانات تجعل عقلك يفرز الدوبامين، وهذه هي المتعة اللحظية التي تجعلك تنفصل عن العالم الحقيقي، وتهرب من المشاكل. ولكن بعد انتهاء مفعول الدوبامين، تتذكر الألم، وتعود المشاكل لتظهر من جديد. ويتحول الإدمان إلى مشكلة جديدة، تجعلك عبدًا له
هل أنت صادق مع نفسك؟
دعنا نواجه الحقيقة الصدق مع الآخرين سهل. تقول لهم ما يريدون سماعه، تبتسم حين يجب أن تبتسم، وتعتذر حين يتطلب الموقف اعتذارًا. حتي إذا كنت تعرف أن ما تفعله خطا ولكن الشخص الذي أمامك يحتاج إلي الاعتذار لإنه محطم، تعرف أن الشخص الذي أمامك مدمر نفسيًا ويريد أن يسمع ما يريح قلبه ونفسه ولكن أنت تعلم أن هذا خطأ وان الشخص عندما يهدا سوف يواجه الحقيقية لكن، الصدق مع نفسك هذا شيء آخر تمامًا.
كم مرة أخبرت نفسك أنك بخير، وأنت في داخلك محطم؟ كم مرة قلت لنفسك أنك لا تهتم، بينما كانت نار الغضب تشتعل في صدرك؟ كم مرة ضحكت، فقط كي لا يراك الآخرون وأنت تنهار؟ الصراحة القاسية هي: أغلبنا يكذب على نفسه طوال الوقت. نخدع أنفسنا بأوهام صغيرة لنهرب من الألم الكبير. نختلق أعذارًا لكل قراراتنا الخاطئة. نخترع قصصًا نُخدر بها ضمائرنا.
ولكن، هل تعلم أين الخطر الحقيقي؟ الخطر هو أنك مع الوقت تبدأ تصدق الأكاذيب التي ترويها لنفسك. تستيقظ يومًا ما غريبًا عن نفسك. لا تعرف ماذا تريد، ولا لماذا تشعر بهذا الثقل في صدرك. وتتساءل: متى فقدت نفسي؟ متى توقفت عن أن أكون أنا؟
كيف تعرف أنك لست صادقًا مع نفسك؟
- حين تبرر أفعالك التي تعلم في أعماقك أنها خاطئة.
- حين تخشى مواجهة نفسك بالأسئلة الحقيقية.
- حين تعيش حياة لا تشبهك، فقط كي ترضي من حولك.
- حين تغلق أذنيك عن النداء الداخلي الذي يصرخ فيك: غيّر حياتك!
أن تكون صادقًا مع نفسك يعني أن تكون شجاعًا. أن تعترف أنك ضعيف أحيانًا، جبان أحيانًا، مخطئ في كثير من الأحيان ولكنك رغم كل ذلك، تستحق فرصة جديدة. تستحق أن تُخلق من جديد. الصدق مع الذات ليس سهلًا إنه يتطلب أن تمزق كل الأقنعة. أن تقف أمام مرآتك عاريًا تمامًا، بلا أقنعة اجتماعية، بلا أكاذيب مريحة.
عليك الآن أن تسأل نفسك، بصوت لا يسمعه سواك: هل أنا حقًا أعيش كما أريد، أم كما يفرض عليّ خوفي؟ هل أنا الشخص الذي أراه في أحلامي أم الشخص الذي يرضى بالفتات؟ رسالة أخيرة لك يا صديقي: لا تخف من نفسك، لا تخف من ظلالك، كلما اقتربت من حقيقتك، كلما وجدت قوتك الحقيقية. كن صادقًا مع نفسك حتى لو كرهت ما ستراه في البداية. لأن الصدق هو بداية الشفاء. بداية الحياة الحقيقية. ولأنك تستحق أن تعيش لا أن تتظاهر بأنك حي.
كيف أعرف من أنا وماذا أريد؟
بعد القراءة تقول لي نفسك ولكن بعد كل ذلك لم تقول كيف أعرف من أنا؟ وماذا أريد؟ هل تسمح لي أن اجاوب. أجابه هذا السؤال يا صديقي موجود في داخلك لا توجد طريقة في العالم تعرفك من أنت وماذا تريد غير أنت يجب أن تسال الأسئلة لي نفسك وتجاوب بكل صدق عليك الرجول إلى الماضي فكر في طفولتك. ما الأشياء التي كنت تحبها؟ ما الذي كان يلفت انتباهك دون سبب واضح؟ هل كانت هناك مواهب أو شغف طبيعي بداخلك منذ الصغر؟
عليك أن تسال نفسك عن القيم والمبادئ: ما المبادئ التي لا تستطيع التنازل عنها؟ هل: الصدق، الحرية، الإبداع، الأمان هذه القيم تُشكّل جزءًا كبيرًا من “هويتك”. لا تسكت اكمل وطرح الأسئلة هل أنت شخص اجتماعي أم تميل للهدوء والعزلة؟ كيف تتعامل مع الضغط؟ كيف تتخذ قراراتك؟ تحليلي؟ عاطفي؟ حدسي؟ ويجب أن تسأل اقرب الاشخاص (المقربين): أحيانًا الآخرين يرون فينا أشياء لا نراها. اسأل أصدقائك أو عائلتك: “كيف تراني؟ ما هي نقاط قوتي؟”
وعليك يا صديقي أن تفصل بين ما تريده فعلاً وما تعتقد أنك يجب أن تريده: المجتمع، الأهل، الأصدقاء كلهم قد يكون لهم توقعات منك. لكن ماذا تريد “أنت” بصدق؟ أحيانًا نلاحق أهداف ليست لنا، فقط لأنها “مبهرجة” أو “مرغوبة اجتماعيًا”. عليك أن تجرب كثيرًا: الرغبة الحقيقية تظهر مع التجربة. جرّب مجالات مختلفة، أعمال، هوايات، تطوع كل تجربة تقربك من إجابتك أكثر.
وأهم شيء عليك أن تراقب مشاعرك: ما الشيء الذي يجعلك تنسى الوقت وأنت تفعله؟ ما النشاط الذي يعطيك طاقة وليس العكس؟
عليك أن تكتب أنت الأن تعرف نفسك عليك أن يكون لديك دفتر مخصص لك انت فقط، خصص دفترً وابدأ في كتابة أفكارك، رغباتك، تساؤلاتك. أعد قراءته كل يوم وستلاحظ تطورًا في الفهم.
هل أعيش الحياة التي أريدها؟
السؤال الذي يتجنبه الجميع، لأن إجابته قد تكون مرعبة. لو كانت حياتك فيلمًا قصيرًا، هل كنت ستجلس لمشاهدته حتى النهاية؟ هل كنت ستصفق لنفسك وأنت ترى القصة أم كنت ستبكي على الفرص الضائعة؟ أجب بصدق الحياة التي لا تحبها اليوم، ستتحول إلى ندمٍ دائم غدًا. ما زال هناك وقت. ما زلت تستطيع أن تدير الدفة، أن تكتب بقلمك قصة أخرى قصة تكون فيها أنت البطل الحقيقي، لا مجرد ظل لشخص آخر.
الخاتمة
عندما تدرك أنك المسؤول عن كل شيء في حياتك من الخير والشر وأنك أنت من يختار أن يكون قويًا أو ضعيفًا، غنيًا أو فقيرًا، ناجحًا أو فاشلًا، واعلم الآن ما يدور في عقلك لا تقل لي إن الله خلقك هكذا! لا يا صديقي، أنت تكذب على نفسك مرة أخرى. الله خلقنا جميعًا متساوين في كل شيء.
كم من شخص وُلد في أسرة فقيرة، وأصبح اليوم من الناجحين وأصحاب الملايين؟ وكم من شخص كان ضعيف الشخصية والجسد، وأصبح اليوم من الأقوياء الذين يدعمون الشباب في المؤتمرات؟ عليك أن تدرك أن لا أحد سيأتي لينقذك.لا احد يعرف حجم الألم الذي تحمله، ولا الصراع الذي تخوضه كل ليلة مع نفسك. أنت وحدك تستطيع أن تنهض. أن تبحث عن ذاتك، عن حقيقتك، عن الحياة التي تستحقها. وصدقني حين تجد نفسك الحقيقية، ستعرف أن كل هذا الضياع كان يستحق العناء. رحلتك بدأت الآن.
مصادر :
- موقع العربية
- خبراتي وقراءتي في علم النفس