تخيل للحظة أن تستيقظ في عام 1875 أو في عام 3050 أن تفتح عينيك لتجد العالم مختلفًا، التاريخ لم يكتب كما تعلمته، والناس لم يعدوا كما عرفتهم أنت هناك لكنك لست من هناك وهذا هو السفر عبر الزمن ذلك المفهوم الذي حير العلماء، وأسر خيال الكتاب، وأشعل عقول الملايين ولكن، لحظة هل هو مجرد خيال سينمائي ولعبة روائية؟ أم أن هناك شيئًا أعمق شيئًا مُخبأ خلف ستار المنطق والعقلانية يُراد لنا ألا نراه؟
البدايات الغامضة: من أين بدأ كل شيء؟ عن السفر عبر الزمن
السفر عبر الزمن ليس وليد التكنولوجيا الحديثة كما يعتقد البعض بل ستجد جذوره مبكرًا في الأساطير القديمة، مثل ملحمة ماهابهاراتا الهندية، التي تحكي عن رجل نام لبضع دقائق ليستيقظ في المستقبل بعد مرور مئات السنين و ثم جاء العصر الحديث ليحول هذه الخرافات إلى علم وعندما اقترب العلم من المستحيل عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين لم يكن يكتب روايات خيال علمي، بل كان يحطم قوانين الزمان والمكان.
في نظريته النسبية العامة، قدم فكرة أن الزمان والمكان ليسا كيانين منفصلين، بل هم نسيج واحد يمكن أن ينحني ويلتوي مما قد يفتح بابًا نظريًا إلى السفر عبر الزمن! وتلاه العلماء مثل ستيفن هوكنغ، الذين ناقشوا إمكانية السفر عبر الثقوب الدودية، أو قرب الثقوب السوداء، حيث يتباطأ الزمن بشكل غريب وكل هذا جعل السؤال الذي كان في السابق ساذجًا، يتحول إلى لغز فيزيائي: هل يمكننا العودة إلى الماضي؟ أو القفز إلى المستقبل؟ هل نحن نعيش داخل آلة زمن بالفعل؟
ربما لا نحتاج لآلة ضخمة ذات أزرار وأضواء لتسافر بنا عبر الزمن ربما العقل البشري نفسه يحمل مفتاحًا للتنقل بين الأبعاد ألم يحدث لك أن رأيت حلمًا شعرت فيه أنك عشت مستقبلًا لم يأتِ بعد؟ ألم يحدث أن أحسست بأن شيئًا ما قد وقع من قبل، كأنك تعيش اللحظة مرة ثانية؟ في هذا الجزء، بدأنا الرحلة نحو الغموض العلمي
قصص حقيقية أم خيال؟ أشهر من قالوا إنهم سافروا عبر الزمن!
في هذا الجزء، نبتعد قليلًا عن الفيزياء المعقدة والنظريات العلمية، ونتوغل في ما هو أغرب قصص منتشرة على الإنترنت لأشخاص يزعمون أنهم سافروا عبر الزمن، لا كحلم أو رواية بل كواقع عاشوه بأدق تفاصيله هل هي مجرد خرافات رقمية؟ أم أن بعض هؤلاء اقتربوا فعلاً من سر خفي يمنع عن البشر العاديين؟ هيا بنا نبدا القصص.
جون تايتور الرحالة القادم من عام 2036
واحدة من أشهر وأكثر القصص غموضًا في عالم الإنترنت و في عام 2000، دخل رجل يدعى John Titor إلى المنتديات الأمريكية، وادعى أنه جندي أمريكي من المستقبل، قادم من عام 2036، أُرسل في مهمة لجمع جهاز كمبيوتر IBM من عام 1975 لسبب تقني محدد يتعلق بمشاكل برمجية في الزمن الذي جاء منه والمفزع؟ أنه تحدث عن أمور لم تكن قد حدثت بعد وحذر من حرب أهلية أمريكية ستبدأ في 2004 حسب زعمه، وأحداث عالمية قادمة رغم أن بعض توقعاته لم تحدث بدقة، إلا أن الطريقة التي كتب بها، والمعلومات التي قدمها، جعلت الكثيرين يصدقونه أو على الأقل يشكّون في أن هناك شيئًا غريبًا يحدث فعلاً.
الطفل الإسباني الذي عاد من سنة 2075!
في فيديو غامض على YouTube، انتشر عام 2015، ظهر طفل إسباني يتحدث بطريقة ناضجة وغريبة، وقال إنه استفاق فجأة في عام 2075، بعد أن ضُرب في رأسه في حادث بسيط وقال إنه رأى مدينة مختلفة، وأن السيارات كانت تطير، والعالم تغير تمامًا و لم تكن القصة مقنعة للجميع، ولكن الغريب أن الطفل ذكر أسماء دول وتحالفات مستقبلية لم تكن في ذهن أي طفل عادي والسؤال هنا هل كانت أوهام؟ أم رؤية مستقبلية حقيقية؟
نوح أنا من سنة 2030
“نوح”، رجل أمريكي مجهول الهوية، ظهر في مقاطع فيديو وهو يزعم أنه عميل سابق في برنامج سري للسفر عبر الزمن، وقد عاد من عام 2030 ليُحذر البشرية و ادعى أنه أُجري له اختبار كشف كذب، ونجح! وتحدث عن صعود ذكاء اصطناعي متطور، ورئيسة أمريكية من أصول آسيوية، واختراعات مذهلة و رغم شكوك الكثيرين، إلا أن بعض تصريحاته كانت قريبة جدًا من التطورات التي حدثت لاحقًا.
أندرو كارلسين المستثمر من المستقبل
في عام 2003، تم اعتقال رجل يُدعى Andrew Carlssin بتهمة التداول غير المشروع في البورصة الأمريكية والمثير للدهشة؟ في غضون أسبوعين فقط، حوّل استثمارًا بسيطًا إلى أرباح بقيمة 350 مليون دولار عبر صفقات لم يكن من المنطقي أن ينجح فيها و في التحقيق، صدم الجميع حين قال: أنا من عام 2256، وجئت فقط لأربح بعض المال لن أؤذي أحدًا ولم تكن لديه هوية واضحة، ولا تاريخ مالي، ولا سجل طبي وبعد أيام، اختفى دون أثر هل هو فعلاً مسافر عبر الزمن؟ أم عبقري خدع الجميع؟ السر لا يزال بلا إجابة.
الرجل من تاوريد (Taured) – لغز من عام 1954
في يوليو 1954، وصل رجل إلى مطار هانيدا في طوكيو، مدعيًا أنه من دولة تدعى تاوريد Taured عندما أشار إلى موقع بلاده على الخريطة، أشار إلى منطقة أندورا بين فرنسا وإسبانيا وجواز سفره وبقية وثائقه بدت أصلية، لكن لم يكن هناك أي سجل لدولة بهذا الاسم وتم احتجازه في فندق تحت حراسة مشددة، ولكن في صباح اليوم التالي، اختفى الرجل وجميع وثائقه دون أي أثر وتعتبر هذه القصة من أشهر الأساطير الحضرية المرتبطة بالسفر عبر الزمن أو الأبعاد الموازية.
اختفاء لارس ميتانك – السائح الألماني الذي اختفى في بلغاريا
في يوليو 2014، كان لارس ميتانك، شاب ألماني، في عطلة ببلغاريا عندما بدأ يظهر عليه سلوك غريب اتصل بوالدته مدعيًا أن أشخاصًا يلاحقونه وفي يوم مغادرته، ذهب إلى طبيب المطار، وبعد محادثة قصيرة، فرّ من المطار تاركًا وراءه أمتعته وجواز سفره، واختفى في غابة مجاورة ولم يُعثر عليه منذ ذلك الحين، وتُعتبر قضيته من أكثر حالات الاختفاء غموضًا ويقال ان هذا اختطاف من زمن اخر.
صور فوتوغرافية غامضة
انتشرت على الإنترنت صور لأشخاص لا ينتمون لزمن الصورة منها صورة شهيرة لرجل يرتدي نظارة شمسية وسترة حديثة في حدث من أربعينات القرن الماضي بدا وكأنه خرج من عام 2020! وأطلق عليه الناس: الرجل المسافر عبر الزمن و رغم محاولات نفي القصة، إلا أن الغموض ما زال يحيط بالصورة و من يصدق ومن يرفض؟ بعض هذه القصص تم إثبات زيفها، والبعض الآخر ظل غامضًا بدون تفسير قاطع و لكن ما يوحّد بينها جميعًا، هو أنها تثير سؤالًا مرعبًا: ماذا لو أن البعض فعلًا تمكن من كسر قوانين الزمن؟ وماذا لو أن هناك من يسافر بين اللحظات دون أن ندري؟
هل السفر عبر الزمن ممكن علميًا؟ أسرار الفيزياء التي تحيّر العقول
في حين أن القصص الغامضة تسكن الإنترنت وتثير خيال الملايين، يظل السؤال الأهم: هل يمكن فعلاً السفر عبر الزمن؟ وهل يقول العلم الحديث إن هذا ممكن؟ في هذا الجزء، ننتقل من الحكايات إلى النظريات ومن الغرابة إلى الفيزياء ومن الخيال العلمي إلى العلم الذي يفوق الخيال ذاته.
النظرية النسبية – أينشتاين يفتح أول أبواب الزمن
عندما طرح ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة والخاصة، لم يكن يدرك أن ما كتبه سيغير فهم البشر للزمن إلى الأبد ببساطة، قال أينشتاين: الزمن ليس ثابتًا بل ينحني ويتباطأ ويتسارع بحسب سرعة الجسم وقوة الجاذبية المحيطة به وهنا جاء المفهوم الغريب: إذا اقترب شخص من سرعة الضوء، سيبدأ الزمن بالنسبة له بالتباطؤ مقارنة بمن يعيش في سرعة الحياة العادية.
و هناك مثال مشهور: لو ركبت مركبة فضائية تسير بسرعة الضوء وبقيت فيها 5 سنوات قد تعود إلى الأرض لتكتشف أن 50 عامًا مرت! وهذا يعني أن السفر إلى المستقبل نظريًا ممكن و لكن السفر إلى الماضي؟ هذا هو السؤال الأصعب.
الثقوب السوداء – بوابات الزمن؟
في قلب مجرتنا وفي أعماق الفضاء، توجد كيانات ضخمة تعرف بـ الثقوب السوداء وهذه الأجسام تمتلك جاذبية لدرجة أن الزمن نفسه يتشوه عند اقترابك منها وبعض العلماء مثل كير و ثورن تحدثوا عن إمكانية أن تؤدي الثقوب السوداء أو ما يسمى بـ الثقوب الدودية إلى ممرات تختصر المسافات أو حتى الأزمنة نظريًا: الثقب الدودي قد يربط بين نقطتين مختلفتين في الزمان والمكان ولكن المشكلة؟ لم يتم رصد ثقب دودي حقيقي حتى الآن ولكنه يُحتمل رياضيًا في معادلات أينشتاين.
التوأم الزمني – تجربة افتراضية مرعبة
تجربة فكرية مشهورة جدًا: توأمَان وُلِدا في نفس اللحظة وأحدهما سافر بسرعة تقارب الضوء في مركبة فضائية، والآخر بقي على الأرض و بعد مرور 10 سنوات على المركبة، يعود التوأم ليكتشف أن شقيقه الأرضي قد شاخ، ومرت عليه عشرات السنين ولكن هو لا يزال شاب وهذا يطرح سؤال هل أننا بالفعل نملك المفتاح الأولي للسفر إلى المستقبل؟ الجواب: نعم، لكن التقنية غير موجودة بعد.
عقبات أمام السفر عبر الزمن
رغم أن الفيزياء تسمح نظريًا ببعض أشكال السفر عبر الزمن، إلا أن هناك مشكلات ضخمة تمنع حدوثه الآن: الطاقة المطلوبة للسفر بسرعة الضوء هائلة، تكاد تكون مستحيلة ومفارقات الزمن مثل مفارقة الجد الشهيرة تقول ماذا لو سافرت إلى الماضي وقتلت جدك؟ فهل ستولد أنت أصلاً؟ الزمن ليس خطًا مستقيمًا، بل نسيج معقد قد يؤدي التدخل فيه إلى عواقب لا تتوقع.
رأي العلماء
بعض العلماء مثل ستيفن هوكينغ سخر من الفكرة، لكنه في نفس الوقت لم ينكر احتمالها بالكامل وآخرون مثل ميتشيو كاكو ونيل ديغراس تايسون قالوا إن الزمن يمكن أن يكون مرنًا في ظروف خاصة ولكن حتى هذه اللحظة، لا يوجد دليل علمي حاسم على السفر عبر الزمن فقط فرضيات مثيرة وغامضة.
الهوس البشري بالسفر عبر الزمن – هل نحاول الهروب من شيء؟
في هذا الجزء، نغادر عالم الفيزياء والفرضيات العلمية ونتعمّق في النفس البشرية والسؤال الان لماذا يتكرر حلم العودة للماضي أو الذهاب للمستقبل في أفلامنا، كتبنا، وحتى في أحلامنا؟ هل السفر عبر الزمن مجرد خيال؟ أم أنه صرخة داخلية تعكس وجعًا أعمق ندمًا دفينً أو خوفًا من القادم؟ عليك ان تعرف يا صديقي أن الماضي جرح لم يلتئم بعد واريد أن اسألك سؤال وهو هل سألت نفسك يومًا: لو عاد بك الزمن ما الذي ستغيره؟
الجميع تقريبًا لديه إجابة والأغلب سيخبرك بأشياء كان يتمنى أن يفعلها بشكل مختلف مثل:
- كلمة لم تُقال.
- فرصة ضاعت.
- شخص لم يُحتضن.
- قرار دمر كل شيء.
الرغبة في السفر إلى الماضي ليست مجرد فضول، بل هي حنين ممزوج بالندم، ومحاولة مستحيلة لـ تصحيح ما لا يمكن تغييره و لكن الماضي ليس عدوك لكنه مرآتك التي تخفيها خلف الجدار والمستقبل وعد أو تهديد؟ أما فكرة السفر إلى المستقبل فهي نقيض تمامًا: هناك من يريد أن يرى ماذا سيحدث؟ هل سأنجح؟ هل سأكون سعيدًا؟ هل سأفقد أحدًا؟ هل العالم سيزدهر أم سينهار؟ البشر مهووسون بالمستقبل لأنهم يخشون المجهول ولأن المجهول دائمًا يبدو أكبر من قدرتنا على السيطرة.
والسفر إلى المستقبل هو محاولة لتقليل القلق، لتحطيم غموض الزمن، لمعرفة النهاية قبل أن تبدأ و الحقيقة المرة التي يتهرب منها الكثيرون: نحن لا نريد العودة للماضي أو القفز إلى المستقبل نحن فقط لا نريد أن نعيش الآن الحاضر واذا سألت هذا الشخص لماذا لاتعيش الحاضر يخبرك أن الحاضر:
- مؤلم.
- يوجد به الروتين قاتل.
- الضغط الاجتماعي لا يُطاق.
- الخيبة متكررة.
فنحاول الهرب نهرب إلى أفكار مثل السفر عبر الزمن لأنها تمنحنا وهمًا بأننا نستطيع إصلاح كل شيء أو رؤية الأمل في مكان ما ولكن هل هو مجرد وهم؟
أفلام و كتب و قصص لا تنتهي
لماذا أغلب القصص التي تتناول السفر عبر الزمن ناجحة جماهيريًا؟ لأنها تخاطب شعورًا دفينًا في كل إنسان مثل:
- ماذا لو استطعت أن أعيد تشكيل حياتي؟
- ماذا لو لم تكن اللحظة الحالية هي قدري؟
- ماذا لو كنت أعيش في وقت آخر كنت سأكون شخصًا مختلفًا تمامًا؟
ولكن عليك أن تعرف أن الماضي هو ما يكون شخصيتك و خبراتك وتجاربك والحاضر هو الفرصة التي يسمحلك أن تتغير أن ترسم مستقبلك.
هاتف المستقبل – تسجيل غامض من عام 1995
في أحد البرامج الإذاعية عام 1995، تلقى المذيع مكالمة من رجل قال إنه يتواصل من عام 2027، وبدأ يسرد تفاصيل عن تغييرات سياسية واقتصادية بعضها حدث بالفعل بعد سنوات! الأغرب؟ نبرة الصوت كانت مشوشة وكأنها قادمة من عالم آخر، لكن كلمات المتصل كانت دقيقة بشكل مرعب و بعد سنوات، تم تحليل المكالمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي ولم يتمكن أحد من معرفة من كان هذا الرجل.
الوجوه المظلمة للسفر عبر الزمن – حين يصبح الزائر سجينًا
إذا كان السفر عبر الزمن ممكنًا فعلًا، فهل هو كما نتخيله؟ مغامرة؟ رحلة لاكتشاف المستقبل؟ تصحيح الماضي؟ أم أنه فخ لا عودة منه؟ كل القصص التي قرأناها حتى الآن تنتهي بغموض، لكن خلف هذا الغموض، تلوح إشارات خفية أن السفر عبر الزمن ليس هدية كما نظن، بل تجربة تغير من يدخلها إلى الأبد و في هذا الجزء، نفتح الستار عن الجانب الذي لا يُحكى عنه كثيرًا وهي :
لعنة الزمن: العائدون الذين فقدوا عقولهم
في عدة منتديات مظلمة وملفات تم حذفها لاحقًا، تظهر شهادات لأشخاص يدّعون أنهم عادوا من المستقبل أو الماضي لكنهم ليسوا كما كانوا:
- رجل كتب: كنت هناك لا تسألني أين ولكن عقلي الآن لا يستطيع التحمّل و الزمن ليس خطًا، إنه متاهة، وأنا تائه في داخلي.
- وآخر يقول: عدت لأجد كل شيء كما هو ولكن كل شيء مختلف وجوه الناس نبرة صوتهم وحتى رائحتهم.
هذه الشهادات تتكرر بصيغ مختلفة، وغالبًا ما يتم حذفها أو التبليغ عنها، وكأن هناك من لا يريد لهذه القصص أن تروى والسؤال هنا هل في تجارب علي السفر عبر الزمن وهولاء الاشخاص كانوا في هذه التجارب الله اعلم.
التعلق بالزمن الآخر
تخيل أن تزور المستقبل، وترى ما كنت تحلم به الحب، النجاح، السلام ثم تُجبر على العودة! تتحدث شهادات كثيرة عن ألم نفسي شديد أصاب المسافرين بعد عودتهم:
- بعضهم لم يحتمل الواقع الحالي.
- بعضهم فقد الشعور بالزمن الطبيعي.
- وبعضهم اختفى ثانية، ولم يعد.
يُقال إن السفر عبر الزمن قد يخلق تعلّق زمني ويجعل الإنسان يعيش في الذكرى، ولا يستطيع التكيّف مع حاضره.
التشوهات في الواقع
في قصص عديدة، يصف الأشخاص الذين زعموا السفر عبر الزمن تغيرات طفيفة في العالم من حولهم بعد عودتهم مثل:
- أسماء دول تغيرت.
- ماركات مشهورة بشكلها المعتاد لم تكن موجودة.
- أشخاص ماتوا لكنهم الآن على قيد الحياة.
هذه الظاهرة تُعرف بين المجتمعات المهتمة بالسفر الزمني باسم: ظاهرة مانديلا Mandela Effect الموسّعة و هل يكون هؤلاء الأشخاص عادوا إلى واقع مختلف قليلاً؟ نسخة من عالمنا؟ نسخة تشبه كل شيء إلا الشيء الذي يشعر به قلبهم؟
هل هناك من يراقب؟
بعض “المسافرين” تحدثوا عن شيء آخر مشترك:
- كيانات تراقبهم بعد عودتهم.
- ظلال في الزوايا.
- طنين في الأذنين عند النوم.
- أشخاص بملامح باردة يراقبونهم في الشارع يختفون بسرعة.
أنت لا تخرج من الزمن وتعود بلا عواقب وهكذا كتب أحدهم قبل أن يُغلق حسابه نهائيًا و هناك نظريات تتحدث عن حراس الزمن، كيانات أو بشر متطورين مكلفين بمراقبة أي خلل يحدث في خط الزمن والتدخل عند الضرورة هل السفر عبر الزمن هو الانتحار الحقيقي؟ بعض النظريات الأكثر سوداوية ترى أن السفر عبر الزمن، حتى لو كان ممكنًا، ليس للبشر العاديين لان الزمن ليس آلة ولا طريق الزمن هو نسيج حي وأي عبور فيه، هو ثقب، والثقب لا يغلق دون أثر وكل مسافر يحدث خللًا وكل خلل يُعيد تشكيل الواقع ولكن على حساب شيء ما: عقله، ذاكرته، أو حتى روحه.
السفر عبر الزمن: هدية أم لعنة؟
هل السفر عبر الزمن هو قمة العبقرية البشرية؟ أم بوابة لدمارها؟ هل هو وسيلة لفهم الحياة؟ أم طريق لفقدان معناها؟ فلنبدأ بأول منظور
من منظور العلم: إمكانية مُدمرة
العلم لا يُنكر إمكانية السفر عبر الزمن، لكنه يخاف نتائجه والفيزيائي “ستيفن هوكينغ” حذر من أن السفر للماضي قد يؤدي إلى مفارقات كارثية ونظريات مثل الزمكان والثقوب الدودية وتظهر أن فتح بوابة زمنية ليس مستحيلًا، لكنه غير مستقر و أغلب النماذج النظرية تؤكد أن أي تلاعب بالزمن سيجلب اختلالًا في قوانين الفيزياء نفسها و العلماء لا يخشون الفكرة لأنها خيال بل لأنها أقرب للواقع مما نظن.
من منظور الدين: هل نحن مخلوقون في خط واحد من الزمن؟
في معظم الأديان السماوية، الزمن ليس ملكًا للإنسان وفي الإسلام مثلًا، هناك إشارة إلى أن الزمن هو خلق من خلق الله، لا يحق للإنسان التلاعب به وهناك حديث شهير عن سيدنا الخضر وموسى، حيث يبدو أن الخضر لديه علم بالمستقبل، لكن بإذن إلهي وليس بقدرات بشرية وفي المسيحية واليهودية، كذلك، لا يمنح الإنسان قدرة السفر عبر الزمن، لأن الحكمة الإلهية تُقسم الأقدار على البشر وفق ترتيب لا يجب تغييره وبالتالي التلاعب بالزمن في الدين = تلاعب بالإرادة الإلهية وهذا يجعلنا نتساءل: هل السعي وراء السفر عبر الزمن هو غرور بشري؟ أم بحث عن خلاص وهمي من ألم الواقع؟
من منظور الفلسفة: هل الزمن حقيقي أصلًا؟
الفلاسفة لطالما تساءلوا: هل الزمن مجرد اختراع بشري لتنظيم الأحداث؟ هل كل اللحظات مثل الماضي والحاضر والمستقبل تحدث الآن، في نفس اللحظة ولكن في أبعاد مختلفة؟ نيتشه تحدث عن العودة الأبدية: أن كل لحظة ستُعاد للأبد، بنفس التفاصيل، بنفس الألم وهايدغر رأى أن الإنسان لا يفهم نفسه إلا من خلال الزمن، وأن الوجود الإنساني متشابك مع الوقت كنسيج واحد و إذًا لو أزلنا عنصر الزمن، هل نظل بشرًا؟ أم نصبح مجرد أفكار عالقة في حلقة لانهائية من الأحداث؟
ما رأته الحضارات القديمة؟ هل سبقونا إلى فهم أعمق؟
حضارة المايا، مثلاً، لم تعتبر الزمن خطًا مستقيمًا، بل دائرة تتكرر و قدماء المصريين تحدثوا عن الأبدية، وعن أرواح تعود في دورات زمنية والهنود في فلسفة كارما ربطوا أفعال الحاضر بمستقبل في حياة أخرى و كلها إشارات إلى أن مفهوم الزمن كان مرنًا، روحانيًا، غير محدود وربما أكثر دقة من تصورنا العلمي الحديث.
وفي النهاية هل نحن بالفعل نسافر عبر الزمن؟
قد لا نمتلك آلة، ولا بوابة، ولا ثقبًا دوديًا لكننا نسافر: حين نتذكر لحظة من الطفولة ونغرق فيها وحين نشتاق لوجه لم نره منذ سنين و حين نخاف من مستقبل لا نعرفه، لكنه يشلنا والزمن يسكننا، لا نسكنه نحن كائنات زمنية، نعيش في الحنين، ونُخلق من الأمل، وندفن في الندم هل تتحمل أن تعرف كل شيء؟ لو فتحت باب الزمن ورأيت كل أخطائك القادمة كل نهاياتك وكل من سيخونك، ومن سيرحل هل ستتحمل أن تعيش بعدها؟
أم ستتمنى لو أنك بقيت في الجهل في الآن في اللحظة؟ ربما أعظم نعمة لدينا أننا لا نعرف ما سيحدث وربما السفر عبر الزمن، في حقيقته، ليس رحلة نحو الأمام أو الخلف بل رحلة إلى الداخل رحلة لفهم أنفسنا، وهروبنا، وسبب تعلقنا بالماضي وخوفنا من المستقبل فلا تبحث عن آلة زمن بل ابحث عن معنى، عن سلام، عن لحظة تشعرك بأنك في المكان الصحيح، والزمن الصحيح، حتى لو لم تكن تعرف إلى أين أنت ذاهب.
الخاتمة
بعد كل هذه الرحلة هل لا زلت تظن أن الوقت مجرد أرقام وساعات؟ أم أنك بدأت تُدرك أن الزمن يعيش في داخلك يتسلل في حزنك، يتكرر في اختياراتك، يختبئ في نظراتك للغد؟ ربما لم تكن القصص عن السفر عبر الزمن مجرد خيال وربما، نحن جميعًا سافرنا دون أن ندرك إلى الماضي الذي لم نغفره إلى المستقبل الذي نخشاه إلى أحلام تشبثنا بها، وظلال لا نزال نطاردها الحقيقة؟ لسنا بحاجة لآلة زمن نحن نحن آلات زمن معطوبة، نحمل أوجاعًا لم تأتِ بعد، وذكريات لم تحدث فاسأل نفسك، قبل أن تغلق هذا الباب: هل كنت أنت من قرأ هذا المقال أم كان هو من قرأك؟